لروسيا الاتحادية على استضافتها الكريمة، كما نؤكد أن الثقافة تظلّ أنجع المسارات لتعزيز العلاقات بين الشعوب، وتوسيع آفاق التفاهم والتعايش بينها في زمن يمكن أن يصون كل طرف خصوصيته دون الاصطدام بالآخر.
إنه مبدأ ينسجم تماما مع رؤية فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، التي تجعل من “الوحدة في التنوع” إحدى ركائز البناء الوطني، وتقوم هذه الرؤية على مقاربة ثقافية شاملة تثمن التعدد، وتحوله إلى مصدر قوة وتماسك لا إلى عنصر تفرقة أو تنازع.
وقد تُرجمت هذه المقاربة من خلال مجموعة من الخطوات العملية، من أبرزها اعتماد يوم وطني للتنوع الثقافي يُخلّد سنوياً، تشارك فيه كافة المكونات الوطنية، بهدف تعزيز روح الانتماء الوطني المشترك، والاحتفاء بالتعدد اللغوي والتقليدي والفني الثري.
كما نجحت بلادنا في تسجيل “المحظرة الموريتانية” ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى منظمة اليونسكو، اعترافًا بدورها في نقل العلوم الشرعية واللغوية، وفي تأصيل الوسطية والاعتدال، وفي ربط المجتمعات بالعلم والمعرفة منذ قرون.
وبنفس الروح، تم تسجيل ملحمة “صمبا غلاديو” على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي الإنساني، لما تحمله من قيم البطولة والانتماء والكرامة، ولما تعكسه من تداخل عضوي بين الموروث العربي والإفريقي، وهو ما يُجسّد الطابع العابر للحدود لثقافتنا المشتركة.
وفي ذات السياق تمكنا من اعتماد اللغة السونوكية لغة عابرة للدول .
وقد اتسمت ديبلوماسيتنا، كذلك، باتزانها المبدئي وانفتاحها الهادئ؛ حيث ظلت تنسج حضورها الدولي بخيوط الحكمة وتوازن المواقف. وهي، في كل المحافل، صوت عقلٍ يدعو إلى تغليب الحوار على الخصام، ونبذ العنف لصالح التفاهم، ويجعل من التسامح والتعايش طريقا لمسيرة عالم أكثر إنصافًا وأقل اصطدامًا. لقد ظلت ديبلوماسيتنا حاملة لرسالة الاعتدال، تنحاز للسلم حين يحتدم النزاع، وترافع من أجل الإنسان حين يُسلب صوته أو يُغتال تنوعه.
وحرصًا منا على إحياء إشعاعنا التاريخي، أولينا اهتمامًا خاصًا بـ المدن القديمة التي كانت لقرون طويلة مراكز إشعاع علمي وروحي، وشبكات تواصل ثقافي وتجاري؛ فمن عمق الصحراء وسكينة الرمال، نهضت مدائن تُتلى فيها الحكمة كما يُتلى الوحي، وتُحفظ فيها المعرفة كما تُحفظ الأرواح؛ لقد كانت شنقيط وتيشيت ووادان وولاتة رباعيات نور، خطّت بالمداد مصائر أجيال، وانطلقت منها قوافل العلماء تجوب أصقاع المعمورة، تحمل مضاء العقل ورسوخ الفقه وصفاء اللغة، ففي مكتباتها تنام نصوص نادرة، وفي محاظرها استيقظت قرون من الاجتهاد والتأليف والتصوف، هناك امتزج الرمل بالحرف، لينشأ إشعاع علمي ما زال صداه يتردد في فضاء الصحراء الكبرى ومن خلف البحار.
أيها الحضور الكريم؛
إننا نعمل اليوم على إعادة إدماج هذه الحواضر في الدورة الثقافية والتنموية من خلال برامج الصيانة والترميم، وإنشاء البنية التحتية، وتشجيع السياحة الثقافية، وتنظيم المهرجانات الوطنية والدولية.
وفي الختام، أُسجل مرة ثانية موفور امتنان بلادي لروسيا الاتحادية، ولقازان المضيافة، راجيًا لهذا اللقاء الميمون كل التوفيق والنجاح، ولسعينا الثقافي المشترك مزيدًا من النماء والازدهار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته